Great Wall of China
سور الصين العظيم
أو كما يُطلق عليه الصينيون
( السور الأسطورة ) أو ( سور وان لي )
سورٌ عظيم بناهُ شعبٌ عظيم، هذه الكلمات التي بدأ بها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1972، وهو يقف على جزء من ذلك السور، والذي أصبح فيما بعد الرمز الرسمي للأمة الصينية، ذلك الإنجاز العظيم ليس في الصين فقط بل في العالم أجمع، إذا يُعتبر أحد أعظم المشاريع المعمارية في تاريخ البشرية، ولا تكتمل زيارة الصين دون الذهاب لذلك السور الذي يُجسد ذكاء وقُدرة الانسان فسبحان الخالق الذي وهب الإنسان هذه المقدرة والعبقرية الإبداعية.
في السابق عندما كانت الإمبراطورية كان زوار الصين يذهبون لقصر الإمبراطور وينحنون له، أما الآن فأصبحوا يذهبون لسور الصين العظيم تعبيراً عن تقديرهم واحترامهم لهذا الشعب، لقد أصبح رمزا للصين وقوتها، وعندما انضمت جمهورية الصين الشعبية للأمم المتحدة وتمثلت في المنظمة بمجسم للسور وبذلك أعلنوا السور الذي بذلوا في بناءه الكثير من العرق والدماء رمزا لأمتهم. وفي عام 1983م، أقام الصينيون حملة من أجل إعادة احياء السور وذلك بقيادة رئيسهم نفسه، وقد حملت تلك الحملة عنوان دعونا نُحب بلدنا ونُحيي سورنا العظيم.
أما سبب بناء هذا السور ليوفر الحماية للبلاد من هجمات الشعوب المُجاورة للصين، مثل الترك والمغول والمنشوريين، حتى أضحى الآن من أشهر المعالم السياحية في العالم، ويُعد أهم مقاصد الصين سياحياً، وكم هي رائعة زيارة ذلك السور وصعوده ورؤية أجمل المناظر الطبيعية التي تدعو للتأمل والصفاء الذهني من أعلى المرتفعات.
يبعد حوالي ساعة ونصف عن وسط بكين العاصمة الصينية، وقد زاره منذ افتتاحه رسمياً عام 1954، مائة وثلاثون مليون زائر منهم أربعة عشر مليون سائح أجنبي بالإضافة لحوالي أربعة مائة شخصية عامة ورئيس دولة مثل نيكسون وريغان وبوتين ومانديلا وشوارزينجر وبيليه. ويزداد عدد زائريه يوماً بعد يوم خاصة بعد أن أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في قائمة التراث العالمي عام 1987.
ومن الافضل زيارة هذا الموقع السياحى المشهور من الساعة السابعة صباحاً، إلى الخامسة والنصف مساءً يومياً، وأجرة الدخول ما بين 40 الى 45 يوانا صينيا (5 – 6 دولارات تقريبا)، ويمكن الوصول لهذا الموقع بسهولة تامة إما بسيارات التاكسى أو بالحافلات التى ينطلق الكثير منها من عدة ساحات ومحطات فى بكين وبأجور زهيدة جداً.
يمتد هذا السور بطول سبعة آلاف كيلو متر تقريباً وكأنه تنين ضخم يستلقي على أراضي الصين، ويبلغ متوسط ارتفاعه ثمانية أمتار وعرض ستة أمتار، وبُني في القرن الثالث قبل الميلاد، واستمر بناءه على فترات متباعدة، كان يُبنى ويتعرض للهدم مرات على أثر هجمات الشعوب الأخرى على الصين، حتى انتهوا سنة خمسة وسبعون للميلاد. في عام 2007م، تم اختيار هذا السور من ضمن عجائب الدنيا، بعد أن صوت له عبر الإنترنت ما يقارب مائة مليون شخص، ويُعد هذا السور المعلم الوحيد في العالم الذي يُمكن مشاهدته من الفضاء الخارجي بكل وضوح، وهذا ما أكده في عام 2003 رائد الفضاء الصيني يانغ لي، بعد تحليقه على مركبة الفضاء المُسماه المسيرةُ الكُبرى، وقد خالفه البعض في هذه المعلومة.
إن سور الصين العظيم ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستيراتيجية وثكنات الجنود وأبراج الإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل يتكون من مستويات مختلفة. فلنأخذ سور الصين في أسرة مينغ الملكية كمثال، كان هذا السور الذي يبدأ من نهر يالوه شرقا وينتهي عند ممر جيا يو قوان غربا بلغ إجمالي طوله 7000 كيلومتر ينقسم إلى تسع مناطق إدارية عسكرية، ولكل منطقة رئيس تنفيذي لإدارتها بصورة منفصلة ومسئول عن إصلاح السور داخل المنطقة وترميمه وهو مسئول أيضا عن الشؤون الدفاعية في المنطقة أو مساعدة المناطق العسكرية المجاورة على شؤونها الدفاعية وفقا لأمر وزارة الدفاع الوطنية. وكان عدد الجنود المرابطين على خط السور في عهد أسرة مينغ الملكية بلغ حوالي مليون جندي.
قصة بناءه :
وتبدأ حكاية ذلك السور في عام 264ق.م، حيث اعتلى كُرسي الحُكم في تشين ( إحدى الولايات الخمس في الصين آنذاك ) شاب لم يتجاوز الثلاثة عشر من عُمره، يُسمى تشين شي هوانغ تي الذي أخذ اسمه من بلاده، ومن ثم ضم بقية المناطق الخمس المتحاربه لُيصبح أول إمبراطور للصين والمعروف باسم الملك الأوحد، بعد أن أعلن نفسه إمبراطور على تلك المناطق الخمس وأطلق على بلاده الجديدة اسم الصين، وتقول إحدى الأساطير الصينية أن هذا الإمبراطور هرب في الحُلم إلى القمر فوق سُجادة سحرية، ونظر إلى الأسفل فوجد أن مملكته غير مُحصنة، وليست منيعة ضد أعداء البلاد وهم كُثر آنذاك، وكانت البلاد تحت رحمة الغُزاة من أهل البادية من كُل جانب، فأيقض مُستشاريه من النوم وأعلن أنه سوف يبني سوراً عظيماً لحماية البلاد يفصل شعبه المُتحضر عن أولئك البرابرة الذين كانوا يغزونهم، وكلف لهذه المهمة الضابط الكبير «منغ تيان».
يمتد السور من البحر الأصفر شرقاً إلى صحراء غوبي غرباً، يرتفع أربعة وعشرون قدماً، وعرضه يكفي لاصطفاف ثمانية رجال جنباً إلى جنب، تبع السور المعالم الطبيعية على الأرض قدر الإمكان، وكان يأخذ خطاً استراتيجياً عبر أعالي الجبال، ولم يكن مُستقيماً لأنه كان شائعاً آنذاك أن الشياطين تمشي في خط مُستقيم، ويُقال أن بناءه أستمر عشر سنوات لُصبح إنجازاً هندسياً مُذهلاً.
مما يُذكر في التاريخ الصيني أن هذا الإمبراطور كان قوياً جداً في مواقفه وقدرته على القيادة، وقد أُصيب بجنون العظمة حتى أنه قرر أن التاريخ ينبغي أن يبدأ معه، فأصدر أوامره بحرق جميع كتب التاريخ والأدب، وأصدر مرسوم أن كُل من يضبط في حوزته بعد ثلاثين يوماً مثل هذه الكُتب يُنقل لبناء السور أو يُدفن حياً، وقد أُحصي عدد العلماء الذين تم تصفيتهم ما يقارب أربع مائة وستون عالماً.
وقد توفي هذا الإمبراطور وهو في رحلة للبحث عن اكسير الخلود عام 210 ق.م، وكان التاسعة والأربعون من عمره، وما عجل في موته تناوله جرعة مؤذية تحتوي على الزئبق والزرنيخ والكبريت في سعيه للحياة الأبدية.
ومع قوة ومنعة وعظم هذا السور إلا أنه لم يمنع بدو الشمال من الهجوم على البلاد والمعروفين بـ التتار وهو اسم الجحيم في القرون الوسطى، الين قالوا عنهم الصينيين أنهم كانوا وحوشاً أكثر مما كانوا بشرا، حيث كانوا يأكلون لحم الكلاب والخيول وشرابهم دماء الأعداء. وكانوا ذو أجسام قوية جداً، وقلوبهم قاسية ولا يُقهرون في الجروب، وحكموا الصين لفترة، إلى أن تمكن الصينيون من طردهم من بلادهم.
إن ما ستراه اليوم عند زيارتك لسور الصين العظيم هو البناء الفعال والقوي في تاريخ الصين والذي بناه أفراد سلالة مينغ، وهو يختلف عن بناء السلالات السابقة حيث صنع من الحجارة لا الطين كما هو بناء السلالات التي سبقتهم، وله فتحات لإطلاق النار وحماية من في السور، وكانوا بنائيه أكثر حرفيه مما سبقوهم، حيث لم يكونوا عبيداً كما سبق، بل بناءون متخصصون وفنيون ويجب أن يُدفع لهم المال لعملية البناء.
معظم سور مينغ مبني من صخور الجرانيت بطول أربعة أمتار وبسمك مترٍ تقريباً، وقد قُطعت تلك الصخور بدقةً مُتناهية كما ستلاحظه، وغطاء من القرميد المصنوع يدوياً بسماكة مترٍ ونصف المتر صُنع فوق هذه الصخور التي يصل ارتفاعها إلى حوالي ستة أمتار، أما التجويف الداخلي فقد مُلئ بالحجارة المسحونة وغُطي ببعض القرميد مُشكلاً ممراً بعرض أربعة أمتار حتى أعلى السور.
صنع أبناء مينغ بوابات مُتقنة في السور عند بعض النقاط، ونقشوا في بوابة الطرف الشرقي عبارة أول بوابة تحت الجنة، وعند بوابة الطرف الغربي حيث بوابة اليشب أو الحد العسكري، وقد خلفوا أبناء ميتغ مئات الأنصاب التذكارية على طول الجدار تصور حكمة الإمبراطور وفضائله وتُقدم معلومات شيقة عن العمل الذي أنجزوه، أحد الأسماء التي تظهر باستمرار هو اسم وان لي، الذي حكم في القرن السادس عشر وساهم كثيراً في بناء السور، والبعض من الصينيون في القرون اللاحقة ضنوا أنه الباني الأساسي للسور، حتى عُرف فيما بعد باسمه. لم يلعب سور الصين العظيم دوراً عظيماً في حماية البلاد إلا أنه شكل لفترة مُعتقداً هاماً لدى الصينيين حيث لم يجروء الصينيين على تعدي السور لخارجه فاصبح يُشكل لديهم حاجزاً بين الحضارة واللاحضارة.
أما الآن كما ذكرنا فقد بات هذا المشروع الإنساني الضخم رمزاً يتفاخرون به الصينيون وحق لهم ذلك، وغدا الآن أحد مصادر الدخل الهامة للبلاد، وإن سنحت لك الفرصة لزيارة الصين فلا تفوت زيارة ذلك المعلم العظيم.
الطريق إلى سور الصين العظيم |
يبعد ما يقارب الساعة والنصف عن وسط بكين العاصمة الصينية |
وصولنا وهنا بوابة الدخول |
الحيطان الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستيراتيجية وثكنات الجنود وأبراج الإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية مُجتمعة في هذا السور.
وكل مائتين متر أُنشأ برج للحراسة يبلغ طول البرج تقريباً إثنا عشر متراً
يظهر هذا السور ذكاء أسلاف الصينيين ويجسد جهدا جبارا بذلوا فيه العرق والدماء، ويشتهر في العالم بتاريخه العريق وضخامة تحصيناته وعظمته وقوته.
سور الصين العظيم رمز الأمة الصينية |
تعتبر الحيطان الممتدة جزءا رئيسيا من مشروع سور الصين الدفاعي. وبنيت الحيطان فوق الجبال الشاهقة أو مواقع خطرة بالسهول حسب التضاريس الجغرافية والحاجات الدفاعية. وغالبا ما تكون الحيطان التي بنيت في السهول أو الأماكن الهامة عالية ومتينة للغاية، أما الحيطان المبنية على المواقع الخطرة فوق الجبال، فهي منخفضة وضيقة نسبيا، وذلك من أجل توفير القوى العاملة ونفقات البناء.
أحد أبراج المراقبة ورصد تحركات الأعداء ومقر لسكن الجنود، والتي عززت القوة الدفاعية للسور
فتحات علوية للمراقبة وفتحات تحتية لإطلاق النار أو إسقاط الأحجار
وتعتبر أبراج الإنذار جزءا هاما أيضا من مكونات الدفاع لسور الصين العظيم. إنها مرافق لإرسال ونقل معلومات عسكرية. وفي الحقيقة إن أبراج الإنذار بصفتها أداة لنقل المعلومات كانت موجودة منذ القدم، واستفيد منذ بداية بناء سور الصين منها بصورة جيدة بل كان يتم إكمالها تدريجيا لتصبح أفضل أسلوب لإرسال ونقل المعلومات العسكرية في العهود القديمة. وكان أسلوب نقل المعلومات هو إطلاق الدخان نهارا وإشعال النار ليلا. إنه أسلوب علمي وسريع لنقل المعلومات إذ يمكن معرفة عدد الأعداء من عدد المواقع التي انطلق منها الدخان أو أشعلت فيها النار.
وفي عهد أسرة مينغ الملكية أضيفت أصوات المفرقعات في وقت إطلاق الدخان وإشعال النار لتعزيز فعالية الإنذار الأمر الذي يمكن من إبلاغ المعلومات العسكرية بدقة إلى أماكن بعيدة ومختلفة في لحظة واحدة. وفي ظل عدم وجود الهواتف والاتصالات اللاسلكية في العهود القديمة، يمكن القول إن هذا الأسلوب لنقل المعلومات العسكرية كان سريعا جداً.
نهاية جولتنا |
فيديو يحكي قصة هذا السور لقناة العربية
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق