يقول رسولنا الكريم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )
بما
أن إظهار الصورة كما يجب هي أمانة يجب أن لا نُغيبها أياً كان مجال
حديثنا، لذلك سأتحدث
بشفافية عن ماربيا ورأيي فيها الأمر الذي قد لا يعجب محبيها، ولكنها
الحقيقة التي يجب إيصالها كما هي.
عند بداية تخطيطنا للسكن في الجنوب الأسباني كنا قد رتبنا أن تكون ( ماربيا
) هي مقر إقامتنا هناك، ولكن لم نجد السكن المناسب، ولارتفاع أسعار ماربيا
ارتفاع كبير بالنسبة لغيرها من مدن الجنوب، ولأن تلك المدن لا تبعد عن بعض
سوى بعض الكيلو مترات، عندها قررنا أن تكون ( بنا المدينة ) هي مقر إقامتنا في الجنوب، وبحكم قربها من ماربيا فقد قررنا أن تكون هي الخيار الثاني في الجنوب، ولعلها خيرة لنا في تلك الرحلة الطويلة في أسبانيا ولله الحمد.
كنا قد قررنا أن تكون ماربيا هي وجهتنا
نهاية أنشطة كل يوم أثناء إقامتنا في الجنوب الأسباني وبالتحديد بنا المدينة، ورتبنا أن نأتي ( للبورت بانوس ) نتناول طعام العشاء نهاية كل يوم في تلك المطاعم المنتشرة عليه، ولكي يقضي الأطفال بقية اليوم في الألعاب، هذا ما كنا قد خططنا له قبل مشاهدتنا للبورت بانوس، والأوضاع القائمة فيه.
ماربيا
قبل ذهابنا لأسبانيا قرأنا عنها وسمعنا كالكثير أنها مدينة تستحق الزيارة،
وهي مدينة الأثرياء، ومعشوقة العرب ..!، والبورت بانوس الممتع الملىء بالمطاعم والمقاهي
والمتاجر، وتلك المتاجر التي تفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل الأمر الذي تفتقده في أغلب أوروبا، وهذا صحيح ولكن ( الغير صحيح أنه "ممتع" ) على الأقل بالنسبة لنا.
ولأن نقل الصورة كما هي دون تزييف أو تدليس كما ذكرت هي الواجب علينا فأنا هنا سأنقل ما رأيته ووجهة نظري في ذلك المكان.
فالبورت
بانوس هو مكان للاستعراض، فهناك من يستعرض بأحدث الصرخات في الملابس،
وهناك من يستعرض بأحدث السيارات الفارهة، وعلى الميناء تقف تلك السفن
واليخوت الفارهة وأغلاها على مستوى العالم.
لكن ما آلمنا ما شاهدناه من ( بعض
) أبناء جلدتنا من أمور خارجة عن الأطر، لا علاقة لها بديننا أو عاداتنا
وتقاليدنا، التي يفترض أن نحافظ عليها ونكون خير سفراء لبلداننا، فرؤية
شبابنا وفتياتنا وهم في حالة تحزن القلب من استعراض لآخر الصيحات في
الملبس، وتلك المعاكسات الصريحة واللبس الفاضح وفي الغالب على مرأى ومسمع
من الوالدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله .. !!
حقيقة
وضع الكثير من أبناءنا وفتياتنا في ماربيا وضع مؤلم ويحز في النفس، فما
شاهدناه جعلنا لا نلوم الآخرين عندما يعتقدون أننا أبار بترول متحركة، لن
نلومهم بعد ما يشاهدوننا في هكذا تجمعات، سواء كان ماربيا أو غيرها.
وما شاهدناه
في ماربيا خارج عن النص، ولن تجد شيء من المتعة وأنت ترى أبناءنا وهم يلهفون خلف
آخر الصرعات، ولن تجد شيء من المتعة وفتياتنا في تلك الحالة المزعجة والمثقلة
بأطنان من المكياج، والمجوهرات والألماس حدث ولا حرج، وطريقة التباهي العجيبة بكل
هذا ..!
تلك التجاوزات المنبوذة والمرفوضة في مجتمعاتنا لم تقتصر على
الخليجيون، بل أنك ستشاهد أبناء المغرب العربي ولبنان أيضاً.
وهناك فئة
من الأثرياء المرتادين لماربيا من تجد فيهم ازدراء عجيب للآخرين لا تعلم لماذا ..!
الغريب في الأمر أن تلك الفئة تنظر للآخرين بغرور عجيب خصوصاً من
يلتزم بالزي
المحتشم ..!
قد يقول قائل أن تلك الأوضاع تنتشر في غير ماربيا، أو حتى في بعض الدول
العربية، وهذا صحيح، ولكن ما دعاني أتحدث عن ماربيا بالذات هو زيارتي لها ولأنها
أحد المدن التي زرتها في أسبانيا وكتبت عنها حيث أن الشيئ
بالشيئ يذكر.
عندما ترى فتياتنا وقد رموا بالحياء والستر جانباً، متجاوزين جميع
الخطوط الحمراء والدين، ليخرجوا بلباس السباحة ويتجولن مع صديقاتهن وقريباتهن وضحكاتهن
تعلو المكان، ورائحة عطورهن النفاثة تسبقهن، لهو أمر محزن ولاحول ولاقوة إلا بالله.
وقفة ..
ما الفائدة من السياحة
قيل أن من فقه السياحة التعرف على نهاية الظالمين، وعاقبة
المجرمين ومصير الطغاة والجبارين، لتطمئن النفس إلى أن العاقبة للمتقين والنصر
للمؤمنين، وأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
وقيل عن السياحة وفوائدها اقتباس العلوم والمعارف واتساع المدارك ومن
فوائد السياحة الاطلاع على ما لدى الآخرين من علوم وثقافات وحضارات وخبرات وتجارب
ومهارات وعادات وتقاليد، والأخذ بالمفيد منها، والمطور للمشروع، والمقوي للأداء.
وقيل أن الحياة مدرسة تتسع وتضيق بقدر اتساع أو ضيق دائرة تعرف
الإنسان عليها زماناً ومكاناً وظرفاً، فالإنسان ابن محيطه، فمن كان حبيس بيته كان ابن
بيته، ومن كان حبيس قريته أو مدينته أو بلده كان ابن هذه الدائرة. أما من ارتحل في
أرض الله الواسعة، يلتمس العبر، ويقلب الفكر، ويستطلع الأحوال والثقافات والمعارف
والأعراف والتقاليد والتجارب.. فإنه لا شك سيكون أوسع نظراً، وأعمق تصوراً، وأكثر
خيراً، وأعظم أثراً، حيث يكون ابن عصره.
والسياحة لم ولن تقتصر على فئة دون أخرى فالسياحة للجميع لمعرفة
زمانهم وما فيه من قوى وحضارات ومخترعات وتحديات وخصائص، للتعلم والتعليم، والأخذ والعطاء،
والاحتكاك بالغير وإفادته والاستفادة منه في ضوء القاعدة النبوية الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها .
ومن فوائد السياحة التعرف على آيات خلق الله في الأرض واختلاف
تكوينها وتضاريسها ومناخها ومعادنها وكنوزها وأنهارها وبحارها وثرواتها، وفوارق ليلها
ونهارها، وحرها وبردها.
ومن فوائد السياحة الترويح عن النفس والخروج من أسر الروتين المضني
للجسم الممل للنفس عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"روحوا عن القلوب
ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت".
فالسياحة تجدد النشاط وتبعث الحيوية وتشحذ الإرادة وتصقل
النفس فيعود الإنسان إلى بلده وكأنه خلق من جديد وخلقت معه طاقات لم يكن ليشعر
بها, وفتحت أمامه آفاق لم يكن ليراها.
ما أجمل السياحة البريئة الغير متكلفة للتمتع بآيات الله في
أرضه، والتعرف على الأمم والشعوب وطباعهم وثقافاتهم.
لا شك أن فوائد السياحة كثيرة جداً ويصعب حصرها وتعدادها، لكن ما
شاهدناه في ماربيا أعتقد أنه لاعلاقة له بالسياحة.
اللهم استرنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض، اللهم من اعتصم
بك فقد هدى إلى صراط مستقيم، اللهم فكن لنا ولياً ونصيراً، وكن لنا معيناً
ومجيراً، إنك بنا بصيرا.
والله من وراء القصد
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق